انتقلت عدوى النقاشات الحادة التي تشهدها وسائل الإعلام الأميركية ووسائل التواصل الاجتماعي حول الحرب الإسرائيلية على غزة، إلى أروقة الجامعات الأميركية، مع إعلان إدارة جامعة ألينوي توقيف تعيين البروفيسور الأميركي من أصول فلسطينية، ستيفن سلايطة، في قسم الدراسات الأميركية للسكان الأصليين (الهنود الحمر). وكانت الجامعة أعلنت تعيين سلايطة قبل نحو شهر ونصف، وقام هو بناءً على ذلك، بتقديم استقالته من الجامعة التي كان يعمل بها، وهي جامعة فرجينيا تيك. لكن المفاجأة كانت عندما قررت إدارة جامعة ألينوي وقف التعيين، من دون أن تعلن وبصراحة عن السبب، الذي يعود، بحسب مقرّبين من الإدارة، لانتقادات سلايطة "الحادة" على وسائل التواصل الاجتماعي للسياسة الإسرائيلية وحربها على غزة. ووصف سلايطة السياسات الإسرائيلية بالاستعمارية، وقارن في كتاباته أوضاع السكان الأصليين في الولايات المتحدة بأوضاع الفلسطينيين. لكن القشة التي قصمت ظهر البعير على ما يبدو بالنسبة لإدارة جامعة ألينوي، هي التغريدات التي سماها أحد المؤيدين للقرار بـ"تغريدات مهووسة بالوضع في غزة ومعادية لإسرائيل".
وكانت تغريدات سلايطة، ولديه أكثر من 6 آلاف متابع، قد جذبت انتباه الكثير من المدونين والمغردين الآخرين، فدارت نقاشات عديدة حولها، حتى قبل أن تعلن الجامعة رسمياً قرار سحب تعيينه. بل إن الجامعة قالت، في تصريح صحافي على لسان المتحدثة الرسمية باسمها حول الموضوع: "نؤمن بحق جميع الأساتذة بممارسة حرية التعبير، والأساتذة يأتون من تيارات أكاديمية وسياسة مختلفة". إلا أن هذا الحق في حرية التعبير، والذي ينصّ عليه الدستور الأميركي، وتحدثت عنه الجامعة، هو ذاته الذي جرى المساس به، كما جاء في عريضة نشرتها "الحملة الأميركية الموحّدة للمقاطعة الأكاديمية والثقافية لإسرائيل". ويحاول القائمون على الحملة جمع تواقيع مندّدة بقرار الجامعة ومن أجل ممارسة ضغط على الإدارة للعدول عن قرارها. وأشار كوري روبين، وهو أكاديمي أميركي معارض لإقالة سلايطة، في مقال له حول الموضوع، إلى أن الخطر الكبير الذي تنزلق باتجاهه الجامعات الأميركية هو خضوعها أكثر فأكثر لضغوطات التيارات الصهيونية أو المؤيدة لها. ورأى في قضية سلايطة مثالاً واضحاً على ذلك.
وفي مقالة له حول الموضوع يقتبس فيها أجزاء من مقابلة أجراها مع كاري نيلسون، وهو أحد الأساتذة في جامعة ألينوي الذين عملوا من أجل إقالة سلايطة، طرح روبين سؤالاً على نيلسون مفاده: كيف يمكن تبرير سحب قرار تعيين أستاذ جامعي بسبب انتقاده لإسرائيل وسياستها، وخاصة حربها على غزة، من دون الحديث عن المسّ بحق أساسي وهو حق التعبير عن الرأي؟
أما نيلسون، المناهض للقضية الفلسطينية، فيقول: "لو أبقى سلايطة عداءه لإسرائيل في منشوراته وبحثه الأكاديمي، والتي تخضع لمعايير أكاديمية ولجان، لا أعتقد أنه كان سيتم سحب تعيينه".
ومن بين تغريدات سلايطة التي أثارت حفيظة اللوبي الصهيوني: "إذا ظهر رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، مزيّناً عنقه بقلادة، وإن كانت هذه القلادة مصنوعة من أسنان الأطفال الفلسطينيين، هل يستغرب أحد ذلك؟". وفي تغريدة أخرى كتب: "يعاني سكان ديترويت، الذين يسكنون على ضفاف واحدة من أكبر بحيرات العالم، من شح المياه وتقطع البلدية عنهم المياه إذا لم يسددوا الفواتير، في الوقت الذي لا يواجه اليهود المستوطنون هذه المشكلة".
وقد تبدو هذه التغريدات وغيرها بسيطة مقارنة بالقتل والمجازر التي تُقترف ضد غزة، إلا أن أهمية ما حدث مع سلايطة يمكن رؤيته كمحاولة ردع لآخرين. فنيلسون، وغيره من الصهاينة، يُشهرون سيوفهم بوجه سلايطة عندما "يعبر الخطوط الحمراء" وينشغل في الحيّز العام، أي "تويتر" في هذه الحالة، بالقضية الفلسطينية، ويكتب عنها بصورة تزعج هؤلاء. لكن هذا الانزعاج الشديد نابع من عدم ثقة وخوف من الدور الذي تلعبه هذه الحرب الدائرة على الرأي العام الأميركي وخاصة الشاب منه، إذ إن وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت بالنسبة للكثير من الشباب، مصدر معلومات يعتمدون عليه أكثر من نشرات الأخبار التقليدية. أما الكتابات الأكاديمية، فتبقى محصورة في جمهور معيّن، وبالتالي فإن تأثيرها محدود، كذلك على صعيد الانتخابات والإعلام.
كما تدلّ هذه الضجة وغيرها، إضافة الى التحركات التي تقوم بها الحركات الصهيونية في الولايات المتحدة، على أنها في مأزق وتتخبّط لأنها تشعر أن رياح التغيير بالنسبة للرأي العام الأميركي والقضية الفلسطينية، آتية وإن ببطء، لكنها تسير بخطوات ثابتة، وهي تحاول أن تحاصر كل مَن يسير تجاهها وتجاه المقاطعة الأكاديمية والفنية التي بدأت تحقق أخيراً بعض النجاحات في الولايات المتحدة.
[عن جريدة ”العربي الجديد“ اللندنية]